هل تساءلت يومًا عن السبب الذي يجعل البعض يُحقّقون النجاح المالي بينما يبقى آخرون عالقين في دوامة الفقر؟ الجواب يكمن في عقلية الفقير التي تشكّل أمامهم عائقًا لتحسين الجانب المالي في حياتهم وتحقيق أهدافهم المالية. في هذا المقال ستتعرف على مفهوم عقلية الفقير، كيف تشكّلت، وكيفية التخلص منها لبناء مستقبل مالي أكثر إشراقًا، فاستعد للغوص في رحلة لتغيير حياتك المالية.
المحاور الرئيسية :
أثبتت دراسة نشرتها مجلة أميركان إيكونوميك ريفيو على ويكيبيديا والتي أجراها إلدار شافير وزملاؤه في كيفية تأثير الفقر على عملية اتخاذ القرار؛ بحيث تشير إلى أنّ ندرة الموارد تدفع الأفراد إلى التركيز بشكل مُكثّف على الاحتياجات الفورية، مما يُضعف قدرتهم على التخطيط للمستقبل واتخاذ الخيارات المثلى.
ومن الممكن أن يؤدّي تأثير الرؤية الضيقة هذا إلى إدامة دورة الفقر، حيث قد تؤدي القرارات القصيرة الأجل إلى عواقب سلبية طويلة الأجل.
ما معنى عقلية الفقير؟
عقلية الفقير هي حالة ذهنية تنشأ عن مجموعة من المعتقدات السلبية والأفكار المحدودة حول المال والفرص؛ بحيث يتبنّى الشخص هذه العقلية نتيجةً لتراكم تجارب الحياة والبيئة التي نشأ فيها، مما يجعله يتجنّب المخاطرة ويقيّد نفسه بخيارات ضيّقة.
على سبيل المثال، قد يعتقد شخص يعيش في بيئة متواضعة أنّ “المال صعب الحصول عليه” أو أنّ “الغنى هو مسألة حظ فقط”، ومثل هذه الأفكار تمنعه من اتخاذ خطوات جريئة لتحقيق النجاح المالي.
كيف تشكّلت عقلية الفقير منذ الطفولة؟
عندما ينشأ الطفل في بيئة تشهد باستمرار صعوبات مالية، فإنّ هذا يؤثر بشكل كبير على نظرته للمال؛ على سبيل المثال : إذا كان الطفل يسمع والديه يتحدثان عن المشاكل المالية بشكل دائم، ويرددان عبارات مثل هاته : “المال صعب الحصول عليه” “الأغنياء طماعون” “لن نستطيع دفع الفواتير هذا الشهر”…، فإنّ هذه العبارات تؤثّر بشكل عميق على معتقداته، وتزرع في ذهنه فكرة أنّ المال مصدر دائم للضغط والمشاكل، بدلاً من أن يكون وسيلة لتحقيق الرغبات والطموحات.
التجارب المبكرة مثل رؤية أفراد الأسرة يعانون من الديون أو يفشلون في إدارة مواردهم المالية تعزز هذا التأثير. شاب يرى والده يخسر أمواله في استثمار سيئ قد يعتقد أن جميع الاستثمارات محفوفة بالمخاطر ويبتعد عنها لاحقًا.
مساهمة المجتمع في نشر تفكير الفقر
المجتمع أيضًا يساهم في تعزيز عقلية الفقير من خلال تقاليده وتعليقاته؛ مثلًا يمكن أن يتعرض الشاب الطموح للسخرية إذا قرّر يبدأ مشروعه الخاص بدلًا من اتباع المسار التقليدي في العمل الوظيفي، وهذا النوع من التثبيط يحدّ من المبادرات الفردية ويشجع على البقاء في منطقة الراحة.
إضافة إلى ذلك، نجد في المجتمع العربي أفكار سلبية شائعة حول المال والأغنياء مثل “المال وسخ دنيا” “المال لا يشتري السعادة” “الأغنياء أموالهم من الحرام”…، وهذه المقولات قد تكون ذات تأثير كبير على الطفل، وتبني له في عقله الباطن قناعة بأنّ السعي وراء المال ليس هدفًا مشروعًا أو ذا أهمية.
كما أن قصص الفشل المالي التي يسمعها الطفل من المحيطين به أو في وسائل الإعلام، مثل حكايات عن أشخاص خسروا كل شيء بسبب استثمار خاطئ، تعزّز خوفه من المخاطرة في الحياة المالية وتجعله يتجنّب كل ما يتعلّق بالمال.
دور الإعلام في ترسيخ هذه العقلية
الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في ترسيخ الصور النمطية المتعلّقة بالمال ؛ في العديد من الأفلام والمسلسلات يُصوّر الأثرياء على أنّهم مستغلون أو جشعون، مما يعزّز الفكرة بأنّ الثراء أمر غير مرغوب فيه، على سبيل المثال بعض الأفلام المصرية القديمة كانت تُظهر الأغنياء كشخصيات سلبية، مما يزرع في أذهان المشاهدين الشباب فكرة سلبية عن المال.
المعتقدات الشائعة لدى عقلية الفقير

في الثقافة العربية، تتكرر بعض المعتقدات السلبية التي تعيق النجاح المالي، ومن أبرز هذه المعتقدات الخاطئة:
- “الغنى يفسد الأخلاق.”
- “الأغنياء محظوظون فقط.”
- “المال ليس مهمًا طالما لديك الصحة.”
- الفقر قسمة ونصيب
- الفقراء أحبّ إلى الله عزوجل
- “الاستثمار مخاطرة كبيرة لا تناسب الجميع.”
- “التعليم هو الطريق الوحيد للثراء.”
- “يجب أن أعمل بجهد بدني شاق لأربح المال.”
- “الدَّين أمر طبيعي ولا يمكن تجنبه.”
- “الادخار غير مهم طالما أنّ الدخل ثابت.”
- “الثراء يأتي بطرق غير مشروعة.”
- “الميراث هو الحل الوحيد لتحسين الوضع المالي.”
العلاقة بين الأفكار والسلوكيات المالية
الأفكار تؤّثر بشكل مباشر على السلوكيات المالية؛ فإذا كنت تعتقد أنّ المال صعب المنال، فمن المرجح أن تتجنب المحاولة أو أن تنفق كل ما لديك بدلاً من الادخار أو الاستثمار.
أثر تفكير الفقير على جودة الحياة
يؤدي هذا النمط من التفكير السلبي حول المال إلى:
- قلق مالي دائم.
- شعور بعدم السيطرة على الحياة.
- ضعف في تحقيق الأهداف الشخصية والمهنية.
اقرأ أيضا : الفرق بين عقلية الغني والفقير: 10 فروقات رئيسية تُغيّر حياتك المالية
علامات عقلية الفقير

- عدم وجود ميزانية شهرية.
- الخوف من الاستثمار.
- شراء الكماليات بدلاً من الضروريات.
- الاعتماد على القروض.
- الشكوى والتذمر
- لوم الوالدين والحكومة والمجتمع
- الإسراف في الاحتفالات والمناسبات.
- انتظار التقاعد.
- الاعتقاد بأنّ الادخار بخل وحرمان للنفس من رغباتها.
- التفكير قصير المدى.
- رفض التغيير أو المغامرة.
- مقارنة النفس بالآخرين باستمرار.
لمعرفة المزيد : العادات المالية للفقراء: 10 أخطاء شائعة تمنعهم من الثراء
خطوات عملية للتخلص من عقلية الفقر

سبق لي وكتبت مقالا بعنوان ما هي عقلية الأغنياء وكيف تغير حياتك المالية للأفضل؟ أنصحك بقراءته لتجد تفاصيل أكثر ، واليك أهم الخطوات التي تمكّنك من التحرر من تفكير الفقير :
1. تحديد الأفكار السلبية:
ابدأ بتحديد المعتقدات التي تعيقك عن تحقيق النجاح المالي ، اجلس في مكان هادئ وخذ دفتر وقلم ، ثم تذكر كل ما سمعته عن المال والأغنياء منذ طفولتك واكتبه ، اليك بعض الأمثلة : “المال فتنة” أو “الراتب لا يكفي” “قدرنا أن نعيش فقراء” “الأغنياء مكتبّرون ، جشعون ، أموالهم من الحرام”..، وابدأ بتحليلها لتحديد مدى صحتها ، ثم اشطب عليها واكتب الأفكار الإيجابية مقابلها.
مثال عملي : المال وسخ دنيا / المال زينة الحياة الدنيا .
2. التأكيدات الإيجابية:
تحدّى الأفكار السلبية بتكرار عبارات إيجابية يوميًا مثل: “أستطيع تحسين وضعي المالي بإذن الله عزّ وجلّ” “ربي الرزاق يرزقني من حيث لا أحتسب”، وأكد من كتابة مثل هذه التأكيدات ووضعها في مكان مرئي لتذكير نفسك.
3. التعليم المالي:
تعلّم المهارات المالية الضرورية لتحسين إدارتك للأموال، يمكنك البدء بقراءة كتب مثل “الأب الغني والأب الفقير” “أسرار عقل المليونير” “أغنى رجل في بابل” أو الاشتراك في دورات تعليمية عبر الإنترنت تركّز على التخطيط المالي.
4. الاستثمار التدريجي:
انسف من عقلك معتقد أنّ الاستثمار يتطلب رأس مال كبير ، وابدأ بمبالغ صغيرة؛ يمكنك البدء بحساب توفير بسيط أو الاستثمار في صناديق استثمارية آمنة، وهذا يمنحك الثقة للتوسّع لاحقًا.
5. بناء شبكة داعمة:
أحط نفسك بأشخاص يشاركونك الطموح والتفاؤل، لأنّ التحدث مع ناجحين في مجالك يمكن أن يلهمك ويقدّم لك نصائح قيّمة.
6. وضع خطة مالية:
حدّد أهدافًا مالية واقعية وقابلة للتحقيق، قم بتقسيم دخلك إلى أقسام محددة مثل الادخار والاستثمار والمصاريف الأساسية، والتزم بخطتك لأنّ ذلك سيجعلك ترى تقدمًا ملموسًا.
الخاتمة
تغيير عقلية الفقير مهمة تتطلب العزيمة والصبر ، ولكنّها ضرورية لتحقيق حياة مالية أفضل؛ فابدأ بتطبيق الخطوات المذكورة، وستجد نفسك تسير في طريق النجاح المالي.